لطالما كان سؤال التنمية الافريقي عصيًا على الإجابة في الأوساط البحثية الاقتصادية بل في بعض الاحيان كان داًفعا إلى الغوص في الجذور الاستعمارية للمؤسسات الحاكمة على التنمية في الفضاء الافريقي وهو موضوع الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد في العام الحالي. لكن موريتانيا بالنسبة لي حالة خاصة نظرًا للاستقرار السياسي الذي تنعم به والوفرة في الثروات مما يفترض أن يرفع من نصيب الفرد من الناتج المحلي. لكن الواقع يخالف ذلك بشكل مستمر. هذا المقال يحاول اختزال الأسباب الرئيسة لهذا التباطؤ في النمو الاقتصادي المستمر منذ عقود بناء على ما نشر عبر مختلف الأوساط العلمية والرسمية.
- الاعتماد على القطاعات الاستخراجية:- تعتمد موريتانيا بشكل كبير جدًا على قطاعات التعدين والصيد البحري مما يجعلها في موقع هش يضعف من قدرتها على امتصاص الصدمات أو التغيرات الحادة أو الطفيفة في أسعار السلع العالمية. يعود ذلك لضعف سياسات التنويع الاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال أدى هبوط الانتاج في القطاعين الصناعي والسمكي مستندا إلى غلاف استثماري رسمي إلى تراجع النمو الاقتصادي بدرجتين مئويتين في 2024
- ضعف استغلال القوى البشرية:– أحد أكبر العقبات التي تعرقل النمو الموريتاني هو غياب الاستغلال الملائم للكوادر البشرية. على الرغم من الاستقرار في النظام الاقتصادي العام، تواصل التحديات الهيكلية الحضور في رسم السياسات وتقليل فرص نمو مستقر طويل الأمد. على سبيل المثال الأطفال المواليد في عام 2024 بمعطيات اليوم إحصائيا أنهم لن تكون نسبة المنخرطين منهم في سوق العمل أكثر من 15% (نسبة تقديرية) ببلوغهم سن الثامنة عشر. لذا للخروج من عنق الزجاجة قد تعد محاور التعليم والفروقات بين الجنسين وفقر الشباب أهم مجالات التركيز للسياسات التنموية المعقلنة
- ضعف الارتباط مع أسواق المال العالمية:– تعتمد قدرة موريتانيا على تمويل أي تغييرات هيكلية في المستقبل على النفاذ للأسواق المالية العالمية. أي أن غياب التقييم للقدرة على السداد أو التصنيف الائتماني يزيد من صعوبة اقتراض المال في الاسواق المالية العالمية. ويمكن التغلب على ذلك بخلق رأي توافقي مع الداعمين التنمويين للبلاد من أجل الحصول على تصنيف ائتماني آمن لزيادة الفرص المتاحة للتمويل بشروط ميسرة. لكن ذلك يجب أن يسبقه إحاطة رسمية بضرورة إدارة فعالة للدين الأجنبي وعائدات الغاز المالية مع تطوير منظورة الاستثمار الاجنبي والسوق المالي الموريتاني
- ارتفاع الدين الحكومي:– لايزال الاداء الحكومي في معالجة الدين العام مثار قلق كبير. على الرغم من التحسن الطفيف الذي طرأ على مستوى الدين العام (هبط من 52.4% إلى 48% من الناتج المحلي) بين العامين الماضي والحالي نتيجةً لجدولة الدين السعودي. يشكل الدين العام عقبة كأداء أمام تنظيم سياسات الاقتراض وإدارة الديون والخزينة، وكلها أبواب رئيسية في تحقيق الاستدامة المنشودة في السياسات التنموية.
- مشكلة المرونة: ضمن الجهود العالمية لمواجهة أثر الاحتباس الحراري والانكماش المتوقع أن يصيب الاقتصاد العالمي جراءه، تقع إفريقيا ضمن المناطق الأقل جاهزية والأكثر هشاشة. تتوزع الآثار الاقتصادية بشكل غير متزن عبر القارة وبالتحديد مناطقها الساحلية فقد سجلت أعلى درجات التغير الحراري في 2023 السواحل الموريتانية والمناطق الغربية من الجزائر والتي طالت كذلك مالي والمغرب وتنزانيا وأوغندا. وهذا يشير بوضوح إلى تفاقم تحدي التنمية الموريتاني في العقود القادمة.
ختامًا. الشعار الابرز للدولة الموريتانية في المرحلة القادمة هو زيادة المرونة الداخلية والكلية بإنفاذ سياسات تحد من آثار الاحتباس الحراري وأسعار السلع العالمية بشكل متوازٍ مما سيحافظ على الاستقرار الكلي في النظام. التغلب على هذا التحديات يعني استغلال البلاد لمقدراتها بشكل أوسع وأشمل والدفع بعجلة التنمية بشكل أكثر فاعلية