في خضم التحديات التي تواجه الاقتصاد الموريتاني، يبرز العقار كأحد القطاعات الحيوية التي طالما شكلت رافعة للنمو، لكنه في الوقت نفسه يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة.
لقد ظلّ هذا القطاع لسنوات رهين المضاربة والاحتكار، ما أعاق مساهمته الفعلية في التنمية، ورفع من كلفة المعيشة، وعطّل فرص الشباب في الحصول على سكن لائق أو بدء مشاريع استثمارية صغير. من هنا، يأتي المقرر الحكومي المتعلق بالضريبة على الأراضي غير المستغلة كخطوة ذات دلالة اقتصادية عميقة.
خطوة ضرورية لتصحيح مسار العقار
لا يتعلق الأمر بمجرد إجراء مالي لسد عجز الميزانية، بل بتوجّه إصلاحي يستهدف تحريك الدورة العقارية، وإعادة توزيع العبء الاقتصادي بشكل أكثر عدلاً وتحفيز الاستغلال بدل تجميد الأصول يضع المقرر الجديد رسومًا تصل إلى 2500 أوقية جديدة للمتر المربع في المناطق السكنية، وهو ما يوجه رسالة واضحة للمالكين: الأرض التي لا تُستغَل يجب ألا تبقى بلا كلفة. هذه الضريبة تدفع المالك إلى مراجعة قراره بتجميد الأصل العقاري، وتشجعه إما على البناء أو التأجير أو البيع، ما من شأنه أن يحرر العرض ويكبح جماح الأسعار
توازن العلاقة بين المالك والمستأجر من بين أبرز مزايا الضريبة العقارية أنها تُحمّل المالك تكلفة مستمرة بصرف النظر عن وجود مستأجر من عدمه. هذا يحد من لجوء بعض الملاك إلى التلويح بالإيجار المرتفع كوسيلة لتغطية نفقات لا يتحملها السوق أساسًا، ويعزز من مناخ التفاوض المتوازن بين الطرفين. ولها أثر مباشر على الخزينة هذا فيما يتعلق بالمدى البعيد
مشروع مصدر دخل جديد يحتاج إصلاحات
على المدى القصير، توفر الضريبة العقارية مصدرًا مستقرًا للدولة يمكن توجيهه لتحسين البنية التحتية والخدمات العامة. أما على المدى البعيد، فإنها تؤسس لنمط جديد من التعامل مع العقار بوصفه أداة إنتاج لا مجرد وعاء للادخار أو المضاربة لكن لا يكفي فرض الرسوم؛ فنجاح هذه السياسة يتوقف على تطوير الإطار التشريعي والتنفيذي للعقار: رقمنة السجلات، ضبط عمليات البيع، محاربة التجاوزات في التقييم، وفرض الشفافية على الملكيات الكبرى و ضرورة الإصلاح الهيكلي للقطاع
فك الاحتكار وتنشيط للسوق
لقد آن الأوان لمراجعة شاملة لوضعية القطاع العقاري في موريتانيا. يجب أن ننتقل من نموذج السوق العشوائي إلى سوق منظم تحكمه قواعد العرض والطلب، وتخضع فيه الأراضي والمعاملات للرقابة والضبط. العقار لا ينبغي أن يكون حكرًا على فئة محدودة، بل مجالًا مفتوحًا أمام الجميع لبناء مستقبلهم، والمساهمة في بناء بلدهم.
تكون الضرائب وسيلة للتنمية لا عبء الضريبة العقارية، إن طُبقت بحكمة، ويمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق التنمية الحضرية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ودعم المالية العامة دون المساس بالشرائح الضعيفة. المطلوب اليوم هو مواصلة هذا المسار الإصلاحي بشجاعة، وفتح حوار وطني حول مستقبل العقار في موريتانيا، بما يجعله قطاعًا يخدم الاقتصاد والمجتمع معًا.